عنب الباحة- إرث زراعي، تحديث مستمر، وازدهار مستدام

المؤلف: «عكاظ» (الباحة)09.01.2025
عنب الباحة- إرث زراعي، تحديث مستمر، وازدهار مستدام

تتبوأ منطقة الباحة مكانة مرموقة كإحدى أهم المناطق الزراعية في ربوع المملكة العربية السعودية، وذلك لما حباها الله به من مقومات طبيعية فريدة، تجلت في خصوبة تربتها الصالحة للزراعة، ووفرة المياه الجوفية التي تتدفق بكميات سخية، وجريان الأودية الغنية على مدار العام، مما يضفي على المنطقة سحراً خاصاً.

وتتجسد روعة المشهد في مزارع العنب المترامية الأطراف والمنتشرة في أرجاء المنطقة ومحافظاتها، حيث تتألق في هذا الوقت من كل عام بأجود المحاصيل التي تشتهر بجودة ثمارها الفائقة وتنوعها الغني ووفرتها الكبيرة، وسط اهتمام بالغ من شباب المنطقة الذين يمارسون بفخر مهنة زراعة العنب التي توارثوها جيلاً بعد جيل عن الآباء والأجداد، في رحلة زراعية حافلة بالتحديات تجسد أسمى معاني العطاء والاهتمام العميق والاستدامة المنشودة.

وفي تصريح له، أوضح المدير العام لفرع وزارة البيئة والمياه والزراعة بمنطقة الباحة، المهندس فهد مفتاح الزهراني، لوكالة الأنباء السعودية، أن زراعة العنب تعتبر من المحاصيل الزراعية الواعدة التي تشهد إقبالاً واهتماماً متزايداً من قبل المزارعين، حيث تبلغ المساحة المزروعة بالعنب في المنطقة حالياً 51 هكتاراً، وتنتج سنوياً ما يقارب 772 طناً من أجود أنواع العنب. وأشار إلى أن مشروع "مدينة العنب" الطموح، الذي يجري تنفيذه حالياً في محافظة بلجرشي، يمتد على مساحة تقدر بـ 790 ألف متر مربع، وسيكون بمثابة منصة متكاملة لدعم هذا المنتج الزراعي المميز، من خلال توفير مرافق وخدمات متطورة تشمل عمليات الفرز الدقيق، والتعبئة والتغليف المتقن، والتبريد الفعال، والتسويق الاحترافي، بما يسهم في الارتقاء بجودة الإنتاج وتعزيز قدرته التنافسية في الأسواق المحلية، بالإضافة إلى تمكين المنتجين من الوصول المباشر إلى المستهلكين عبر قنوات بيع منظمة وميسرة.

وأكد المهندس الزهراني أن فرع الوزارة يعمل جاهداً على تمكين المزارعين من خلال توفير برامج الدعم الحكومية المتنوعة، حيث استفاد مزارعو العنب من برنامج التنمية الريفية الزراعية المستدامة (ريف)، الذي قدم دعماً مالياً وفنياً سخياً لتطوير ورفع كفاءة الإنتاج، كما حظي عدد من المزارع بدعم خاص من خلال برنامج الزراعة العضوية للحصول على شهادة الزراعة العضوية المعتمدة وتبني ممارسات إنتاجية صديقة للبيئة ومستدامة، مما أسهم بشكل كبير في تحسين جودة المنتج وزيادة الإقبال عليه.

وأشار إلى أن مشروع تأهيل المدرجات الزراعية في منطقة الباحة قد شكل عاملاً حاسماً ومؤثراً في زيادة المساحات الصالحة لزراعة العنب والمحاصيل الزراعية الأخرى، وذلك من خلال إعادة تأهيل المدرجات القديمة وترميمها وتحسين قدرتها على حصاد مياه الأمطار الغزيرة والحد من انجراف التربة الثمينة، مما انعكس إيجاباً على استدامة الإنتاج الزراعي وضمان استمراريته.

وأوضح المهندس الزهراني أن الفرع يواصل جهوده الدؤوبة في التوسع بزراعة أصناف العنب الملائمة لبيئة الباحة الخصبة، وتعميم أنظمة الري الحديثة والمتطورة، وتنفيذ الحقول الإرشادية الموجهة وبرامج التدريب الميداني العملي، بما يواكب مستهدفات رؤية المملكة 2030 الطموحة في مجال التنمية الريفية المستدامة، وتعظيم القيمة المضافة للمنتجات الزراعية المحلية وتعزيز تنافسيتها.

من جانبه، أشار المزارع علي الزهراني إلى أنهم توارثوا أصول وفنون زراعة العنب عبر الأجيال المتعاقبة، حيث تتم عملية "التحبيس" الدقيقة في شهر مايو، وهي عبارة عن تقليم دقيق للأغصان التي تحمل أوراقاً كثيفة تغطي الثمار في مراحلها الأولى وتمنعها من التعرض لأشعة الشمس الدافئة، والتهوية الجيدة، والتخلص من الأوراق الزائدة عن حاجة شجرة العنب التي تنضج ثمارها اللذيذة في شهري يوليو وأغسطس من كل عام.

وعن كيفية زراعة شجر العنب، تحدث صاحب أكبر مزرعة أعناب بالباحة، المزارع فيصل بن مداوس الغامدي، قائلاً: "إن زراعة العنب تتم عن طريق أخذ غصن قوي من شجرة العنب وزراعته بطريقة رأسية في الأرض، ثم تبدأ عملية العناية به بوضع السماد الطبيعي المغذي، ومواصلة ريه بالماء العذب، حتى تظهر الشجرة من أحد الطرفين المغروسين، وفي بعض الأحيان تظهر من كلا الطرفين كشجرتين صغيرتين".

وأشار الغامدي إلى أن شجرة العنب تتميز بامتدادها الشاسع، حيث يمكن أن تصل إلى أكثر من 10 أمتار، وتمتد أفقياً على الأعمدة المنتشرة في المزارع، وترتفع عن الأرض بمعدل مترين تقريباً بالركائز الخشبية المتينة، وهي الطريقة التقليدية القديمة التي تم استبدالها تدريجياً بالركائز البلاستيكية أو المعدنية الأكثر حداثة والتي تمنح المزارع مظهراً جميلاً وجذاباً.

وتشتهر منطقة الباحة بزراعة أشجار العنب بأنواعه المختلفة وإنتاجها الغزير والمتنوع، وتعتبر شجرة العنب من المحاصيل الرئيسية التي تحتل موقعاً مميزاً وبارزاً ضمن بساتين الفاكهة المتنوعة في المنطقة، والتي تسهم بشكل فعال في تنويع الإنتاج الزراعي، وتعزيز القيمة الاقتصادية للقطاع الزراعي الحيوي، بما يواكب تطلعات التنمية الزراعية المستدامة مع الحفاظ على الطابع الطبيعي والثقافي الأصيل للمنطقة، حتى أصبحت مع مرور الوقت مصدراً أساسياً وهاماً من مصادر الأمن الغذائي، ورافداً اقتصادياً يرفد أسواق مناطق المملكة المختلفة بالفواكه الطازجة، وسلة غذائية قيّمة تزخر بالخيرات والنعم.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة